بعد أكثر من 15 شهراً من أكبر حرب فلسطينية-إسرائيلية في التاريخ الحديث، والتي تخللتها أبشع عمليات الإبادة الجماعية بحق قطاع غزة، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار. القرار، الذي بدا مستحيلاً في ظل تصريحاته المتكررة عن "تغيير الشرق الأوسط"، جاء نتيجة ضغوط متشابكة، أبرزها تصاعد عمليات المقاومة في غزة ومكالمة حاسمة من واشنطن.
مكالمة واشنطن الحادة.. كلمة السر
في مساء الجمعة الماضي، تلقى نتنياهو مكالمة حادة من مبعوث الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ستيفن ويتكوف، الذي أبلغه بوضوح أن إدارة ترامب لن تقبل باستمرار الحرب. ويتكوف شدد على أن وقف إطلاق النار يجب أن يتم قبل حفل تنصيب ترامب في 20 يناير الجاري، شرط أن يتضمن الاتفاق إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس.
كانت لهجة ويتكوف صارمة للغاية، وأوضح أن الإدارة الأمريكية القادمة لن تمنح نتنياهو دعماً غير مشروط إذا استمر في مماطلته. هذه المكالمة وضعت نتنياهو في مأزق سياسي، حيث أدرك أن استمرار الحرب قد يكلفه الدعم الأمريكي الذي يعتمد عليه بشدة.
تصاعد عمليات المقاومة.. رسائل النار
أحد الأسباب الأكثر تأثيراً كان تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل غير مسبوق خلال الساعات الأخيرة من الحرب. المقاومة أثبتت قدرتها على استعادة زمام المبادرة وتنفيذ ضربات موجعة للاحتلال، ومنها:
مقتل وحدة كاملة من لواء "ناحال" الإسرائيلي، وهي واحدة من أبرز الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي.
إعادة استخدام القنابل والمتفجرات الإسرائيلية غير المنفجرة في صناعة عبوات ناسفة شديدة الانفجار، مما أحدث أضراراً كبيرة في صفوف جيش الاحتلال.
نصب مصائد موت للجنود الإسرائيليين، مما تسبب بخسائر بشرية ومادية فادحة.
هذه العمليات أكدت لنتنياهو أن القضاء على المقاومة وحماس في غزة أمر مستحيل، وأن استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر للإسرائيليين.
أسباب أخرى أجبرت نتنياهو على الإذعان
إلى جانب المكالمة الأمريكية وعمليات المقاومة، هناك عوامل أخرى دفعت نتنياهو إلى الموافقة على وقف إطلاق النار:
1. الضغط الداخلي في إسرائيل: شهدت إسرائيل مظاهرات غاضبة واحتجاجات من عائلات الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس، مطالبين بإعادتهم بأي ثمن.
2. الأزمة الاقتصادية: تكاليف الحرب الباهظة أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تزايدت الضغوط على الحكومة مع ارتفاع معدلات البطالة وتراجع النمو الاقتصادي.
3. التصدعات داخل الائتلاف الحكومي: تعرض نتنياهو لانتقادات حادة من حلفائه في الحكومة بسبب استمراره في حرب طويلة دون تحقيق أهداف واضحة.
4. الانتقادات الدولية: تصاعدت الإدانات الدولية بسبب حجم الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، مما زاد من عزلة إسرائيل على الساحة العالمية وهدد علاقاتها مع دول عدة.
رسالة المقاومة: لن تُهزم غزة
أجبرت المقاومة الفلسطينية، بإبداعها العسكري وصمودها الأسطوري، نتنياهو وجيشه على الإذعان لحقيقة أن غزة عصية على الانكسار. فقد أثبتت المقاومة أن الحرب ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل معركة إرادة، وأن الشعب الفلسطيني قادر على الصمود والابتكار حتى في أحلك الظروف.
نتنياهو.. هزيمة سياسية وعسكرية
بموافقته على وقف إطلاق النار، يعترف نتنياهو ضمنياً بفشل مشروعه المعلن عن "تغيير الشرق الأوسط". وبدلاً من تحقيق نصر سياسي أو عسكري، خرجت إسرائيل من هذه الحرب منهكة ومهزومة أمام مقاومة صلبة أثبتت أنها رقم صعب في المعادلة.
ختاماً، تثبت هذه الحرب أن المقاومة ليست مجرد كيان مسلح، بل فكرة تنبض بالحياة، وجذوة لن تنطفئ مهما بلغ جبروت الاحتلال.